كنا في سابق الزمان "بلد المليون شاعر" و أصبحنا اليوم بلد المليون أشياء أخرى: مليون سياسي، مليون خبير" في كل شيء".
هذا "العنوان" اصبح سلطة بالنسبة للبعض للسماح لأنفسهم للتعليق حول كل موضوع! السياسة والقضايا الاجتماعية والرياضة والدفاع والأمن واستراتيجيات الاقتصاد و الزراعة و التنمية الحيوانية والمعادن (الحديد ، الذهب ، النحاس) والمحروقات (النفط ، الغاز)، العملة ، التجارة، المبادلات و صيد الأسماك.
وفي شأن قطاع الصيد البحري محل هذا المقال الذي بين أيدينا، لا بأس لو ذكرنا أنه يثير منذ الايام القليلة الماضية نقاشات حيوية حول اتفاقات الصيد مع الاتحاد الأوروبي و الصين و تركيا ودقيق السمك (موكا) وكذلك حول السياسات والاستراتيجيات التي يتم تنفيذها لتحقيق الأهداف المرسومة التي وضعتها الحكومة و الانتاج الذي يستطيع القطاع تحمله، التفريغ في ميناء تانيت، المساهمة بالعملة الأجنبية ..... إلخ. إلخ إلخ
ويجب القول هنا أنه لا مكان لغير المهتمين في قطاع حساس مثل الاقتصاد ما دامت اللغة هي لغة الأرقام ومؤشرات الأداء. ان الأصوات المؤذون لها في هذا الشأن هي الاصوات القادرة علي قراءة و تفسير انسجامنا مع المنطق و اجتنابنا للمشاعر.
فحين نقول على سبيل المثال، أن قطاع الصيد يشهد اليوم بعض الانتعاشً، فإن الحجج المضادة لا تصمد أمام الحقيقة الساطعة: فالقطاع يسمح وفقً أدنى التقديرات توفير 000 40 فرصة عمل مباشرة كما يمثل حوالي 20٪ من إيرادات ميزانية الدولة، مما يعني بلغة الارقام 65.4 مليار أوقية أو معدل إنجاز بنسبة 106 ٪ مقارنة بالتوقعات (61.7 مليار اوقية حسب تقرير محكمة الحسابات(2017).
ان وضع النصوص المنظمة للقطاع (مثل "المرتنة ") كان له أثر قوي على شبه قطاع الصيد التقليدي، الذي ظل منذ فترة طويلة منطقة "خارجة عن القانون".
لا شك ان أساس هذه الإصلاحات يكمن في استراتيجية 2015-2019 المصممة والمنفذة لتحقيق أقصى قدر من الأرباح التي يحق للموريتانيين الاستفادة منها من خلال استغلال مواردهم السمكية. فكل قرار يتم اتخاذه على أسس علمية. كما ان القطاع أوقف، بفضل تطوير لوحات المعلومات (الاستراتيجيات وخطة العمل وإطار الاستثمار وخطط الاستصلاح وتخطيط الإجراءات والتكوين)، الملاحة البصرية التي كانت تسبب له اضررا جسيمة.
ان الإستراتيجية، التي تقترب من نهايتها هذا العام ، ستمكّن من التفكير في تطوير قطاع الصيد وفقًا للأهداف الإستراتيجية (6) علي نحو أهداف مرسومة لاتخاذ إجراءات خارج إطار العموميات وقابلة للقياس من حيث المؤشرات، نذكر منها بعض الأمثلة ك: "تعريف واعتماد مفتاح لتوزيع فرص الصيد بين قطاعات مصايد الأسماك" ؛ "اعتماد نظام ضريبي محدد ومشجع ومحفز للشركات التي تم انشائها على مستوى الاقطاب الجديدة" ؛ "بناء أرصفة في الجزء الجنوبي من الساحل" ؛ "إنشاء علامة جودة وطنية للمنتجات السمكية" ؛ "تحديث سجل تسجيل السفن الموريتانية" ؛ "إضفاء الطابع المؤسسي للخطط الاستصلاح كطريقة للإدارة على المستوى التشريعي ..."
ان الشيء الوحيد الذي يمكننا الاتفاق عليه هو "من الممكن القيام بأفضل من هذا"، إلا ان ذلك يكتسي نقاش آخر.
وإذا ما رجعنا الي قضية دقيق السمك (موكا) التي يتم رفعها منذ بعض الوقت وتقديمها كأنها "قضية القرن"، فإننا ندرك أن المنتقدين يسلطون الضوء فقط على "الربع الخالي" من الزجاجة دون الاهتمام بالجزء المملوء (¾).
إنهم يتناسون على سبيل المثال أن المنشآت البرية تعد من المتطلبات الاقتصادية (الربحية) الواضحة حيث ان أقل ايجابيات هذا الإجراء هو أنه يسمح المراقبة الصارمة لنشاط عرف بممارسته المستمرة غير القانونية ، في أعالي البحار!
كما أنهم لا يقولون أنه يدر أرباحًا ضخمة ، من حيث فرص العمل غير المباشرة كما لا يعترفون ان الأسماك ضعيفة القيمة التجارية تتعفن على شاطئ الصيادين في نواكشوط وفي مناطق الصيد على طول الساحل.
ان هذا المنتوج وهذه النفايات تدخل بشكل فعلي في مسار إنتاج دقيق السمك.
ان الاعتقاد بأنه من الممكن استخدام 4 أطنان من الأسماك عالية الجودة لإنتاج طن من دقيق السمك تعود علي اصحابها ما بين 1000 و 1500 دولار أمر سخيف وغير معقول.
ان ضمان الاحتياجات من الأسماك لسكان يبلغ عددهم اقل من 4 ملايين نسمة، يقتضي من صناعة الصيد تفريغ حوالي 45000 طن سنويًا للاستهلاك المحلي (بمعدل 15 كلغ من الأسماك للشخص الواحد في السنة). أي أكثر من 5 كلغ من استهلاك الأسماك في بلدان غرب أفريقيا البالغ ما يزيد قليلا علي 10 كلع للشخص الواحد، وفقا للتحالف من اجل اتفاقيات الصيد العادلة.
وعلي المستوي العلمي فان موريتانيا تمتلك إمكانات تجعلها قادرة علي تحمل 1200000 طن سنويا. ولكن دعونا نفهم شيئًا واحدًا. ان هذه "القدرات ة" لا تعتبر فالأصل امكانيات الا في حالة اصطيادها وكذلك تسويقها وتحويلها إلى عملات صعبة لتخدم تنمية البلد؛ دون السماح لها بالإفلات (تهاجر) إلى بلدان أخرى لن تدع الفرصة تمر دون استغلالها. وهو ما لا يفهمه أيضا غير المهنيين.
اصنيبه محمد